Friday 8 January 2016

ورمٌ في بيروت

داهمني الوقت نهاية عام ٢٠١٥ ، صُدفةً وخلال ممارستي الرياضة شعرت بوخزة في صدري، وعندما لم أتمكن من تحديد السبب، استرسلت بتفحُّصه. دقائق مرّت قبل أن أشعر بالورم، دائري صغير، بارز بعض الشيء، كيف فاتتني ملاحظته؟ لم أعرف. هرعت إلى المرآة، وجدت نفسي في وضعية مألوفة لطالما لاحظتها خلال مشاهدتي إعلانات الكشف المبكر عن سرطان الثدي الذي لم أعرف عنه الكثير، لأنني لا أريد أن أعرف. 

الأسبوع الأول: الكشف على صور الصدر الأولى أكد وجود ورم "غدّي ليفي" كما اصطلح الطبيب على تسميته، أصر بعدها على تعيين موعد بعد أيام لسحب عيّنة "خزعة" وإسالها إلى المختبر المختص. عناصر القوة المتواجدة في شخصيتك تختفي بعد دقائق من مراجعة الأحداث، قد يكون فعلاً ورماً عادي، ولكن ماذا لو لم يكن؟ تعليقات الأصدقاء وتشجيع أفراد العائلة، تعابير تتحول إلى مفردات، مجرّد كلمات، لا أكثر.

الأسبوع الثاني: موعد سحب العيّنة حان بعد أيام، وبعد محاولات تأجيل مستمرة مني، الجميع قال أن سحب العيّنة يؤلم كوخزة إبرة، ولكنه كان جحيماً بالنسبة لي، ٤٥ دقيقة من الألم، وعند الانتهاء طلب مني طبيب أن أتنفّس، حتى أنه سمح لي بالبكاء، انهمرت الدموع يومها فأمسك الطبيب بيدي وقال: "بعرف توجعتي.. بعتذر كتير".

مرّت أشهر من المراقبة والانتظار، الخزعة أكدت أن الورم حميد، ولكن مراقبته لمدة لا تزيد عن الستة أشهر ضرورية، نُحدد بعدها ضرورة استئصاله، أو عدمه.

أيلول ٢٠١٥: تأجيل موعد صور الصدر الجديدة Echo كان ضروريا لأنني كنت أتحضّر للانطلاق في رحلة سفر تحملني إلى أكثر من بلد. يومها قررت أنني سوف أتناسى عمداً الورم وسأهمل نفسي قليلاً، ولكنني وخلال تنقلي من بلد لآخر، وجدت نفسي يومياً أمام المرآة، الوضعية نفسها، أُراقب صدري وأسأل نفسي عما في داخله حقاً.

تشرين الأول ٢٠١٥: عدت إلى بيروت لمدة أسبوع، قررت خلالها الخضوع للكشف الثاني، عدة صور Echo وتقرير الطبيب المراقب بات جاهزاً، الخطوة التالية كانت زيارة طبيب الأورام، مجدداً. سأُسافر إلى القاهرة وبروكسل وبعدها أحدد الموعد، وهو ما حصل.

كانون الأول ٢٠١٥: زيارة طبيب الأورام حملت لي الجواب اليقين، اختلف شكل الورم وحجمه، إزالته باتت ضرورية. سنزيله في الأسبوع الأول من العام الجديد.

١ كانون الثاني ٢٠١٦: يدفعني الضجر إلى مشاهدة فيلم حصلت عليه من صديقتي بالصدفة، "Miss you already اشتقت لك بالفعل"، قصة امرأة أصيبت بسرطان الثدي، وكأنه أمر إضافي نحتاجه، لم أتوقف عن مشاهدته، على الرغم من قساوته ومن اختلاف الاحتمالات التي أحاطت بوضعي، وبقصة الفيلم، قد يكون ناقوس الخطر المنتظر. أعود لأُذكر نفسي أنه ورم "غدّي ليفي"، تنتهي شارة الفيلم، أغرق بالدموع، أمسح وجهي، وأنام.

أراجع الأحداث اليوم خلال وقوفي أمام المرآة بعد سنة، أتفحّص صدري مجدداً ولكن بعد استئصال الورم، بانتظار نتائج الزرع الثاني الذي تلا العملية الجراحية. أراقب التفاصيل التي تُحيط بالضمادة، صدري لا يزال هوَ هوَ، تؤكد لي صديقتي بأن كل شيء سيعود إلى طبيعته بعد أيام، وبأن نتائج العيّنات ستكون إيجابية، أبتسم، أبكي قليلاً، أكرر عبارة "الحمدالله"، أراقب الضمادة مجدداً، تُغريني فكرة إزالتها، تتداخل الألوان في صدري، أقولها بصوت مرتفع وأضحك، ضمادة بيضاء، رُقعة زرقاء هنا، وبعض الأحمر هناك، سيحين موعد إزالتها قريباً.

أرتدي الكنزة الزهرية، أعود إلى السرير، أدفع نفسي بنفسي إلى الابتسام، إنها مجرّد انتكاسة، والحياة مستمرة.

No comments:

Post a Comment