Friday 19 April 2013

ربيعُك يا بيروت لنْ يُزهر .. رُبّما.

تُصادفني عبارةٌ أينما ذهبت، عبارةٌ يُرددها اللبناني معتزاً -الى حدٍ ما- بمعناها. لبنان؟ سويسرا الشرق!
حقاً؟ أحقاً لا تزال العبارة سارية المفعول؟ ربما نعم، ففي مقارنةٍ بسيطة لعل العبارة وُجدت لأسبابٍ ليست الا بواقعيّة.
سويسرا، البلد الأوروبي الهادئ، حيث الطبيعة والسياحة والهدوء والحياة ...
لبنان، البلد العربي المُشتعل صيفاً شتاءً، حيث الطبيعة؟ والسياحة؟ والهدوء؟! …
سأكون واقعية، لن أتكلّم عن لبنان ككل، ذلك لأنني عاجزة عن التواجد في جميع الأماكن وتغطية كل ما يحدث بمصداقية وسرعة في آن. سأكتب وكما جرت العادة عن بيروت.

لم تعد علاقتي ببيروت علاقة معقدة، استعدتُ توازُني. مشاعري تجاهها؟ ثابتة غير متأرجحة.
راقبتكِ يا بيروت لسنةٍ كاملة، رأيتُكِ تتأرجحين وتتململين، بين السعادة والحزن والنجاح والإخفاق، بين الإخلاص والخيانة.

 يبدو لي أن بيروت قد تعلّمت، أخيراً تعلّمت أن البقاء للأقوى وأن الخيانة في الحياة مُستباحة، وأن الجمال لا بدّ أن يزول يوماً ما لينقشِع القناع ونرى الأمور والأشخاص على حقيقتهم. يبدو أن بيروت بدأت تنجح في التخلّص من زنخة الطائفية، بدأت تُداوي العُنصرية ولوْ ببطىء، هي الخُطوة الأولى التي قد تبدو مستحيلة وصعبة في آن: الكلمة الأولى، خطوة الطفل الأولى، القبلة الأولى ، الفشل الأول، الحبّ الأول والوظيفة الأولى… ليعود ويتحوّل من أوّل/أولى الى روتين.

عُدْتُ وراقبتك يا بيروت لسنةٍ كاملة وعن كثب، فرأيْت طائفيّة مسْتترة، عنصريّة تختبىء وراء ستارات المجتمع لتعود وتظهر للعلَن من حيث لا ندري، فوضى القيادة والتعدي على القانون مثلاً، أحقاً اللبناني فاشل في القيادة؟ أم هو إهمال ما بعد الضجر؟ أم هي ثقافةُ ال "معليش غيْري مش أحسن مني" ؟ وهل نلوم الدولة على كلّ شاردة وواردة؟ أين المبادرة الشخصيّة؟ يا شوفير السرفيس، أأنتَ حقاً بحاجة الى قانون يُغرّمُك ويُلزمُك بدفع مبلغ من المال عند رمي القنينة الفارغة من نافذتك مثلاً؟ أيحتمل وضعُك المعيشي غرامةً أُخرى مختلفة عن غرامات دولتنا الوهمية الموجودة لامتصاص ما تبقّى من مداخيلنا؟

تكثُر الأمثلة والدرس واحد، بيروت ليست سويسرا الشرق. ربما كانت يوماً ما؟ لا أدري، فأنا وُلدتُ في سنوات الحرب الأخيرة ولم أرَ سوى الكثير من الدمار والإعمار. العبرة ليست في تحطيم بيروت "معنوياً" وترديد عبارة: "لا، أنتِ لستِ سويسرا الشرق"، العبرة هي: 

« دعوا بيروت كما هي ولا تجعلوا منها لا سويسرا الشرق ولا دبيْ الغرب» ، ما نحن بحاجة إليْه هو الكثير من الأخلاق والقليلُ من الصّبر، لا أكثر ولا أقلّ.
   













Friday 5 April 2013

نهاية أسبوعي البيروتيّة

شيءٌ ما تغيّر في بيروت مؤخراً، الا أنّ الدراسة لم تُفسح لي مجال الخروج من قوقعتي البيروتية الى الشارع والاستكشاف. بيروت هي المنزل، بالنسبة لي، ويمكن تلخيص ذلك بالحالة التي تتملكني خلال تنقلي في بيروت، الاحساس بنوعٍ من الأمان، ذلك الأمان الذي نشعر به لحظة ركن السيارة أمام المنزل، لحظة خلع حذائنا في بهو المنزل. 

عرض برنامج  على إحدى القنوات اللبنانية منذ يومين او ربما أكثر، تقريراً مفصلاً عن مدينة طرابلس، عاصمة الشمال، اختلف التقرير عن تقارير أُخرى حيث أفسح المجال لأهل طرابلس للوقوف أمام عدسة الكاميرا  ووصف طرابلس. مرّت فترةٌ لا بأس بها  منذ أن دغدغ تقريرٌ تلفزيوني مشاعري البيروتية، فإذ بي أذرف الدموع وأُرددّ : «والله لبنان حلو، ليش هيك عم يصير؟ ليش أنا من بعد ٢٢ سنة بنفس البلد عم أبني نفسي، ليش الفكرة الوحيدة يلي شاغلتني هيي ترك لبنان والبدء ببلد تاني... ليش؟»
بوسعي صفّ كلمات عشوائية لساعات وانتقاد بيروت تحديداً، هذه المدينة التي أنشأت مدونتي من أجلها، ولكن انتقادُها يوقعني في الفخ كل مرة، فأجد نفسي مغرمة بانغلاقها وانفلاتها في آن، أتكلم عن ذلك الغرام الذي يطرح بك أرضاً أحيانا لتجد نفسك سجيناً لفكرة ما، عندما تسمع أُغنية وتُفكّر تلقائياً بمن سرق قلبك واحتل مساحةً لا بأس بها من أفكارك. مثلي، أنا وأُغنية «حبيبي» لمشروع ليلى مثلاً، عند سماعها  أُهديها لكِ يا بيروت كل مرة.

الليلة سأصف لكم بيروت ، بيروتي، فكُلٌ له بيروتُهُ/ها.

نُزهتي من الجامعة الى المنزل: أقطن بالقرب من كُليتي وبالتالي أصبحت نُزهتي من الكلية الى المنزل يومياً عادةً أفتقدها  أيام الآحاد او عند غيابي او اعتكافي في المنزل. ولكن نُزهتي المُفضلة  تكون في الربيع عند عودتي الى المنزل حوالي الساعة السادسة عصراً، طريقٌ خالية حيث تختفي زحمة النهار ،وزمامير الظهيرة وألحان زقزقة العصافير تبعثُ في نفسي بعضاً من الطُمأنينة ليعود ويُقاطعها عنصرٌ من الجيش اللبناني او الدرك بلطشةٍ أو كلمة لم يستطع كبح نفسه من قولها، بالرغم من ذلك، أبتسم وأُتابع طريقي ، «لن يُعكرَنَّ أحدٌ مزاجي».

الوجوه المؤلوفة: صاحب الفرن القريب من المنزل، شوفير جيراني الأثرياء، مصطفى وبسّام وجيهان، الجيران، توزيع الإبتسامات، ابتساماتٌ صادقة غير مزيفة او مصطنعة لوجوهٍ باتت مؤلوفة في حيّ ترعرنا فيه، تستقبلُني الوجوه المؤلوفة خلال عودتي من الكُلية قُرابة الساعة السادسة مساءً  وفي يدي كُتبي وحقيبتي والكاميرا  والشال يكادُ يسقط أرضاً  فيُسارع وسيم صديقي الصغير ( ٦ سنوات) الى مساعدتي والتقاطه.
تُرددُ جهان: «شو يا لونا، أيمتا حنخلص درس؟« فأُجيبها: » العمر بيخلص والدرس وترتيب الخزانة شغلتين ما بيخلصوا».

شارع الحمرا : المُكتظ المُفعم بالحياة ليلة الجُمعة، رُغم الأسبوع الطويل والدرس والهموم المتراكمة والقلب المُشتاق، لا بد من زيارة ولو خاطفة لشارع الحمرا مساء الجمعة، فُنجان قهوة مع البنات وأحاديث لا نهاية لها. مراقبة الناس تختلف من شخص الى آخر، صديقاتي وأنا، نُراقب وجوه الناس وليس ملابسهم، أستمع سراً الى بعض الأحاديث في لحظة سهوٍ ، تلك التي تشتاق الى الشام، وذلك الذي يبحث عن عملٍ ومجموعة أصدقاء يلقون دعابات عن أسبوعهم في الجامعة، بائع وردٍ جوّال يبتسم وسيارة تصدح فيها موسيقى أجنبيّة... تعلو الضحكة وكذلك زمور التاكسي ... هذه هي بيروتي...هذه هي بيروت.