Friday 30 August 2013

إبتسامة لبيروت الحزينة


ننصت، نبتسم، نساعد، نهدأ، نُراقب، ونتفاءل..
لم تعد الخطابات المُنمّقة وابتسامة الزعيم المطمئِنة، كافية. لم تعد دورية قوى الأمن الداخلي ملاذنا الآمن. لم تعد بيروت بيروت، ولم يعد لبنان لبنان. فما الذي اختلف هذه المرة؟ ولماذا وجدنا أنفسنا في دوّامة اليأس التي لم ينجح حتى انخفاض رطوبة الجوّ خلال اليومين الماضيين في كسرها؟

لست اللبنانية الوحيدة التي قررت، منذ انفجار الرويس، الحد من نشاطاتها الخارجية. عشرات الأصدقاء من مناطق لبنانية عدة، تُساورهم المخاوف نفسها. لكننا، في ظروفٍ مماثلة، مهما حاولنا الإختباء في قوقعتنا والتي ننجح في الغرق فيها عادةً، نجد أنفسنا عاجلاً ام آجلاً في الجامعة، في قهوةٍ في شارع الحمراء، في دائرة رسمية، في المصرف، في الوظيفة، في السوق .. وتطول اللائحة.

خائفون، يائسون، وبائسون.

أمضيت اليومين الماضيين غارقةً في عالم الأفلام والمسلسلات والكتب البعيدة كل البعد عن الحياة اللبنانية اليومية:
خريفٌ وروتينٌ مختلف وحكاياتٌ لا مثيل لها في لبنان أبداً. هنا، في هذا العالم، وجدت ملاذي للهرب من كل الضجيج المحيط.
لحُسن الحظ، لم يكن هذا هو الحل الأنسب، فكلما هممتُ بالإبتعاد عن صفحات "فايسبوك"، وجدتُ نفسي غارقةً في شاشة الحاسوب، أُحدّق في صور الإنفجارات، الضحايا، السيارات، لبنان. أبكي ولا أتمالك نفسي.
                                                    
أفكر بطريق للهرب من جُنيّ اليأس الأسود. أبحث عن مصادر للأمل في بلد لا تقدم لنا الدولة فيه الكثير، ومع هذا ننجح بالصمود فيه. بلد لا تقدم دولته ما يكفي من الكهرباء أو الماء أو التأمينات الصحية أو القوانين أو فرص العمل أو فرص الترفيه، ومع ذلك ننهض بعد كل إنفجار لنرمم ما تخرب في بيوتنا وفي نفوسنا.

أقول لنفسي أن لكل منا له دوره.
سأُنصت: سأُنصت وأستمع اليوم وأكثر من أي وقت مضى الى الآخرين، الى الجميع.
اختلاف وجهات النظر مُفتاح حلول لا حدود لها، ومن قال أن الآراء المتجانسة تصنع أفضل الأوطان؟

سأبتسم: سأبتسم رغم كل المصاعب، فرؤية الجهد اللبناني في إعادة إعمار ما نجحت تلك الإنفجارات في تدميره كفيلٌ ليكون حافزاً للإبتسام. يمتعني أن أشتري علبة سكاكر من بائعٍ متجوّل مبتسم، حتى ولو كانت من النوع الذي لا أهوى تذوقه.

سأبتسم قليلاً في شوارع بيروت الغاضبة والحزينة. سأمشي وأراقب سيارات الأجرة التي تقتحم الأرصفة، السيدات المتأنقات، الشبان فوق دراجاتهم النارية. سأمشي حتى يأتي الليل حين تهدأ بيروت وتنام بصمت، على غير عادة.

ثلاثون عاماً من الواقع المضحك المبكي، يعيشها لبنان. يوميات مليئة بالطاقة السلبية، التي لم تستطع جرعات التفاؤل المؤقتة تحسينها. لسنا في حاجة إلى الشِّعر الوطني أو الوعود الزجلية. اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، نحن في حاجة إلى المضي قُدماً، إلى ترك الماضي خلفنا، إلى كثير من الوعي. نحن في حاجة إلي المُضيّ قُدماً، إلى ترك الماضي خلفنا، إلى كثير من الوعي. نحن في حاجةٍ إلى أن نبدأ اليوم وليس غداً.