نُشر في جريدة النهار-نهار الشباب في 20/09/2012
جفّت سماء بيروت، وحل الصيف فتناقلت الطيور دفء النهار ونسيم الليل.
بدأ صباحي بفنجان قهوة متأخر وسريع (بلا طعمة يعني)، في بيروت لا مجال للتساؤلات العابرة، ماذا أرتدي؟ كيف أبدو؟ فذلك يزول لحظة خروجنا من المنزل في صباحٍ صيفي مشمس حارق. و أنا في سيارتي تبدأ مغامرة القيادة، زمور من هون وصرخة من هونيك. ولكني لست بانهزامية، إن كانت القيادة علمتني شيئًا في بيروت، فهو ان اكون قوية، وان اكبت دموعي، لا سيما عندما يواجهني رجل بعمر والدي بصرخة معاتبة على تهوري و وقوفي عند الإشارة الحمراء.
شرطي المرور، لا أفهمك .لن ولم ولا أريد حتى. انك من يعكر صفو القيادة اللبنانية الأصيلة، فتارةً تقف في وسط الطريق صائحاً، وتارةً اخرى تتخذ من فيء العمود متكأً لك وتنهي مكالماتك اليومية.
إشارة كورنيش المزرعة ما قبل الأخيرة هي مفتاح حريتي، فخلال مغامرتي من منزلي الى المكتب في سن الفيل تحدني شارات السير والفوضى التي تتسبب بها اكثر مما تساعدني، ولوهلة أتذكر المرور بالمصرف ضروري، ولكن في بيروت لا سبيل لذلك الا في وقتين: اما السادسة صباحاً عند خلو الطرق من اي سيارة، او بعد العاشرة ليلا وذلك للسبب نفسه.
اكلم نفسي في سيارتي و اعبر عن سخطي وغضبي بلا جدوى، فينظر الي شرطي المرور بابتسامة ساحرةٍ ساخرة، وأنطلق.
عملي في الصحافة يحتم عليّ متابعة الأخبار خطوة خطوة من لحظة وصولي الي المكتب وحتى مغادرتي وبعد مغادرتي، أصبحت متابعة الأخبار روتينًا ارتوي منه سموم بيروت. لا تكاد تمر دقيقة في بيروت من دون حدوث شيء، من حادث سيارة الى تصاريح مملة، تكمن المغامرة الحقيقية في محاولة إغراء اللبناني على قراءة ما يعمل جاهداً ويوميًا على تجاهله: الأخبار المملة والسياسة الفاشلة التي دمرت بيروتنا ولبناننا سابقا و"تنذكر وما تنعاد".
تمر الساعات سريعة واذ بي اقود سيارتي عائدة الى المنزل شبه متفائلة، زحمة السير اصبحت منا وفينا في بيروت. كل يوم تبدأ ورشة اصلاح جديدة، فيُستبدل هذا المسار بذاك، وضيع يا لبناني وما تفوت بالحيط.
ازدحام بيروت السكاني مدمّر، "بدك شي ثلاثة برمات لتصف حد بيتك يعني".
وصلت الى المنزل بعد نهار شبه طويل واذ بالكهرباء مقطوعة، احدى عشرة طابقًا هو عدد الطبقات التي أختتم بها نهاري.
تمضي ساعة ونستسلم لواقع حضور عنصر المفاجأة، فالكهرباء في بيروت باتت غير متوقعة. أجلس على شرفتي متأملةً المبنى الجديد الذي حجب عني رؤية البحر، البحر الذي كان النظر اليه يزيل نصف همومي، أتأمل بيروت، المباني والسطوح والأشرطة الكهربائية المتداخلة، تمتلكني رغبة في الكتابة، أفتح حاسوبي فيصدر صوتا معلنا استسلامه ببطاريته الفارغة، يطول انتظارنا للكهرباء، فتسألني أمي، "هلق ما بقا ينفع تكتبي الا عالكمبيوتر؟ شو ما في عندك ورقة وقلم؟ يلا لشوف"؟
بدأ صباحي بفنجان قهوة متأخر وسريع (بلا طعمة يعني)، في بيروت لا مجال للتساؤلات العابرة، ماذا أرتدي؟ كيف أبدو؟ فذلك يزول لحظة خروجنا من المنزل في صباحٍ صيفي مشمس حارق. و أنا في سيارتي تبدأ مغامرة القيادة، زمور من هون وصرخة من هونيك. ولكني لست بانهزامية، إن كانت القيادة علمتني شيئًا في بيروت، فهو ان اكون قوية، وان اكبت دموعي، لا سيما عندما يواجهني رجل بعمر والدي بصرخة معاتبة على تهوري و وقوفي عند الإشارة الحمراء.
شرطي المرور، لا أفهمك .لن ولم ولا أريد حتى. انك من يعكر صفو القيادة اللبنانية الأصيلة، فتارةً تقف في وسط الطريق صائحاً، وتارةً اخرى تتخذ من فيء العمود متكأً لك وتنهي مكالماتك اليومية.
إشارة كورنيش المزرعة ما قبل الأخيرة هي مفتاح حريتي، فخلال مغامرتي من منزلي الى المكتب في سن الفيل تحدني شارات السير والفوضى التي تتسبب بها اكثر مما تساعدني، ولوهلة أتذكر المرور بالمصرف ضروري، ولكن في بيروت لا سبيل لذلك الا في وقتين: اما السادسة صباحاً عند خلو الطرق من اي سيارة، او بعد العاشرة ليلا وذلك للسبب نفسه.
اكلم نفسي في سيارتي و اعبر عن سخطي وغضبي بلا جدوى، فينظر الي شرطي المرور بابتسامة ساحرةٍ ساخرة، وأنطلق.
عملي في الصحافة يحتم عليّ متابعة الأخبار خطوة خطوة من لحظة وصولي الي المكتب وحتى مغادرتي وبعد مغادرتي، أصبحت متابعة الأخبار روتينًا ارتوي منه سموم بيروت. لا تكاد تمر دقيقة في بيروت من دون حدوث شيء، من حادث سيارة الى تصاريح مملة، تكمن المغامرة الحقيقية في محاولة إغراء اللبناني على قراءة ما يعمل جاهداً ويوميًا على تجاهله: الأخبار المملة والسياسة الفاشلة التي دمرت بيروتنا ولبناننا سابقا و"تنذكر وما تنعاد".
تمر الساعات سريعة واذ بي اقود سيارتي عائدة الى المنزل شبه متفائلة، زحمة السير اصبحت منا وفينا في بيروت. كل يوم تبدأ ورشة اصلاح جديدة، فيُستبدل هذا المسار بذاك، وضيع يا لبناني وما تفوت بالحيط.
ازدحام بيروت السكاني مدمّر، "بدك شي ثلاثة برمات لتصف حد بيتك يعني".
وصلت الى المنزل بعد نهار شبه طويل واذ بالكهرباء مقطوعة، احدى عشرة طابقًا هو عدد الطبقات التي أختتم بها نهاري.
تمضي ساعة ونستسلم لواقع حضور عنصر المفاجأة، فالكهرباء في بيروت باتت غير متوقعة. أجلس على شرفتي متأملةً المبنى الجديد الذي حجب عني رؤية البحر، البحر الذي كان النظر اليه يزيل نصف همومي، أتأمل بيروت، المباني والسطوح والأشرطة الكهربائية المتداخلة، تمتلكني رغبة في الكتابة، أفتح حاسوبي فيصدر صوتا معلنا استسلامه ببطاريته الفارغة، يطول انتظارنا للكهرباء، فتسألني أمي، "هلق ما بقا ينفع تكتبي الا عالكمبيوتر؟ شو ما في عندك ورقة وقلم؟ يلا لشوف"؟
نفحة من التفاؤل تمتلكني، كلما تدفعني "الماما" الى عمل ما كنت أتهرب من إنجازه. وها أنتم تقرأون اليوم ما كتبته بقلم رصاص على ورقة صغيرة عندما غابت الكهرباء عنا البارحة.
ساعة مرت، أسدلت الستار واذ بي اغرق في سرير الأحلام البيروتية الشقية، غداً يوم عمل آخر، غداً مغامرةٌ أخرى، فكم ستكرهني بيروت غداً؟
ساعة مرت، أسدلت الستار واذ بي اغرق في سرير الأحلام البيروتية الشقية، غداً يوم عمل آخر، غداً مغامرةٌ أخرى، فكم ستكرهني بيروت غداً؟