Wednesday, 27 January 2016

وداعات بيروت


حلّت السنة الجديدة وألقت بثقلها على كاهلنا، لا بدّ وأن تحمل لنا كعادتها، مغامرات بيروتية غير اعتيادية، أو هكذا نعتقد. فواقع ٢٠١٦ مغاير تماما، لذا سأُسميها سنة الوداعات، على الرغم من كون الوداع الأخير حصل في آب ٢٠١٥، إلا أن وقعه استمرّ لأشهر عديدة.

موعد الوداع الجديد قريب، أقل من أسبوع يفصلنا عن إيصال صديق آخر إلى مطار بيروت، قد أتجنّب المطار هذه المرة، فأنا، كغيري، سئمت الوداعات.

قال صديقي: "سيقيمون لي حفل وداع بسيط، سأحاول قضاء القليل من الوقت في بيروت خلال الأيام المعدودة المتبقية"، أكّدت له أنني سأتجنّب حفل الوداع، ودراما المطار، وأننا سنلتقي قريبا في بلد ما، على ضفة جسر ما، قد نحتسي قهوة لا تذكرنا ببيروت، وندخّن سيجارة باهظة الثمن، قد يحصل هذا فعلاً. 

حاولت جاهدة إقناع نفسي بأن الوداع روتين غير ضروري، علينا أن ندّعي مراراً أنه وداع مؤقت، كوداعات القرية في نهاية عطلة الصيف، كالوداع الذي يلي السهرات الطويلة، أو وداع الزملاء الجامعيين حتى اللقاء في صف آخر، في فصل جامعيّ آخر.

بالعودة إلى صدقي، يغادرنا، يغادرني هو الآخر، كان ثالثنا، وبعدها سأبقى وحدي في بيروت، أرتاد القهوة التي سأحاول تجنها، كي لا تذكرني بأحد، سأتفادى سهرات سأفتقد خلالها وجودهما وأصوات ضحكاتهما.

بيروت لم تعد مألوفة بعد الوداعات المتكررة، في البداية، قررنا الصمود هنا، وما دفعنا إلى ذلك كان وصول عدد من أصدقاء سوريين إلى مدينتنا بعد أن خيّب أمن مدنهم آمالهم. بفضلهم، عرفنا وجهاً آخر لبيروت، مسيرة استمرت منذ عام ٢٠١٢ وحتى بداية عام ٢٠١٤. مرّت الأيام والفصول سريعاً لنجد أنفسنا أمام وداعات من نوع آخر، حيث قرر عدد لا بأس به منهم المغادرة نحو فرص أفضل، إلى أوروبا وتركيا وبلدان أُخرى، يومها كتبتُ عن افتقاد بيروت سهرات السمر الدمشقية والحمصية والحلبية التي لوّنت يومياتنا لمدة سنتيْن. كان وداعهم صعب، غادروا... عُدنا بعدها لنستقر مع أنفسنا.

أما عام ٢٠١٥، فحمل معه وداعات اللبنانيين، كُثر هم أصدقائي اللذين قرروا المغادرة، بعضهم غادر خلال سفري المؤقت، فلم تسنح لنا فرصة احتساء كأس أخير، إلا أن الفرحة تبقى واحدة، هم يغادرون بحثا عن فرص أفضل، فرص مستحقة، فرص قد لا تقدمها بيروت قريبا.

علّمتنا وداعات بيروت أن نتأقلم مع المتغيرات سريعاً، في مدينة يُقال أنها لا تعرف الحزن، علمتنا أن نعتاد على كل جديد، أن نتآلف مع كراسي المقاهي الفارغة، أو طاولات الحانات التي لم تعد تشبهنا بشيء، علمتنا وداعات بيروت أن نمسح دموعنا سريعاً ونعود إلى السهرة للمشاركة بالرقصة التالية، علّمتنا أيضاً أن نرتشف قهوتنا ببطئ شديد، وأن نستمتع بزحمة السير خلال تنقّلنا مع أصدقاء قد يغادرون مدينتهم قريباً، أو قد نغادرها نحن، فيفتقدوننا، كما نفتقدهم اليوم.









Friday, 8 January 2016

ورمٌ في بيروت

داهمني الوقت نهاية عام ٢٠١٥ ، صُدفةً وخلال ممارستي الرياضة شعرت بوخزة في صدري، وعندما لم أتمكن من تحديد السبب، استرسلت بتفحُّصه. دقائق مرّت قبل أن أشعر بالورم، دائري صغير، بارز بعض الشيء، كيف فاتتني ملاحظته؟ لم أعرف. هرعت إلى المرآة، وجدت نفسي في وضعية مألوفة لطالما لاحظتها خلال مشاهدتي إعلانات الكشف المبكر عن سرطان الثدي الذي لم أعرف عنه الكثير، لأنني لا أريد أن أعرف. 

الأسبوع الأول: الكشف على صور الصدر الأولى أكد وجود ورم "غدّي ليفي" كما اصطلح الطبيب على تسميته، أصر بعدها على تعيين موعد بعد أيام لسحب عيّنة "خزعة" وإسالها إلى المختبر المختص. عناصر القوة المتواجدة في شخصيتك تختفي بعد دقائق من مراجعة الأحداث، قد يكون فعلاً ورماً عادي، ولكن ماذا لو لم يكن؟ تعليقات الأصدقاء وتشجيع أفراد العائلة، تعابير تتحول إلى مفردات، مجرّد كلمات، لا أكثر.

الأسبوع الثاني: موعد سحب العيّنة حان بعد أيام، وبعد محاولات تأجيل مستمرة مني، الجميع قال أن سحب العيّنة يؤلم كوخزة إبرة، ولكنه كان جحيماً بالنسبة لي، ٤٥ دقيقة من الألم، وعند الانتهاء طلب مني طبيب أن أتنفّس، حتى أنه سمح لي بالبكاء، انهمرت الدموع يومها فأمسك الطبيب بيدي وقال: "بعرف توجعتي.. بعتذر كتير".

مرّت أشهر من المراقبة والانتظار، الخزعة أكدت أن الورم حميد، ولكن مراقبته لمدة لا تزيد عن الستة أشهر ضرورية، نُحدد بعدها ضرورة استئصاله، أو عدمه.

أيلول ٢٠١٥: تأجيل موعد صور الصدر الجديدة Echo كان ضروريا لأنني كنت أتحضّر للانطلاق في رحلة سفر تحملني إلى أكثر من بلد. يومها قررت أنني سوف أتناسى عمداً الورم وسأهمل نفسي قليلاً، ولكنني وخلال تنقلي من بلد لآخر، وجدت نفسي يومياً أمام المرآة، الوضعية نفسها، أُراقب صدري وأسأل نفسي عما في داخله حقاً.

تشرين الأول ٢٠١٥: عدت إلى بيروت لمدة أسبوع، قررت خلالها الخضوع للكشف الثاني، عدة صور Echo وتقرير الطبيب المراقب بات جاهزاً، الخطوة التالية كانت زيارة طبيب الأورام، مجدداً. سأُسافر إلى القاهرة وبروكسل وبعدها أحدد الموعد، وهو ما حصل.

كانون الأول ٢٠١٥: زيارة طبيب الأورام حملت لي الجواب اليقين، اختلف شكل الورم وحجمه، إزالته باتت ضرورية. سنزيله في الأسبوع الأول من العام الجديد.

١ كانون الثاني ٢٠١٦: يدفعني الضجر إلى مشاهدة فيلم حصلت عليه من صديقتي بالصدفة، "Miss you already اشتقت لك بالفعل"، قصة امرأة أصيبت بسرطان الثدي، وكأنه أمر إضافي نحتاجه، لم أتوقف عن مشاهدته، على الرغم من قساوته ومن اختلاف الاحتمالات التي أحاطت بوضعي، وبقصة الفيلم، قد يكون ناقوس الخطر المنتظر. أعود لأُذكر نفسي أنه ورم "غدّي ليفي"، تنتهي شارة الفيلم، أغرق بالدموع، أمسح وجهي، وأنام.

أراجع الأحداث اليوم خلال وقوفي أمام المرآة بعد سنة، أتفحّص صدري مجدداً ولكن بعد استئصال الورم، بانتظار نتائج الزرع الثاني الذي تلا العملية الجراحية. أراقب التفاصيل التي تُحيط بالضمادة، صدري لا يزال هوَ هوَ، تؤكد لي صديقتي بأن كل شيء سيعود إلى طبيعته بعد أيام، وبأن نتائج العيّنات ستكون إيجابية، أبتسم، أبكي قليلاً، أكرر عبارة "الحمدالله"، أراقب الضمادة مجدداً، تُغريني فكرة إزالتها، تتداخل الألوان في صدري، أقولها بصوت مرتفع وأضحك، ضمادة بيضاء، رُقعة زرقاء هنا، وبعض الأحمر هناك، سيحين موعد إزالتها قريباً.

أرتدي الكنزة الزهرية، أعود إلى السرير، أدفع نفسي بنفسي إلى الابتسام، إنها مجرّد انتكاسة، والحياة مستمرة.

Tuesday, 15 July 2014

بيروت بخير.. ولكن؟


من زار بيروت وتجول في شوارعها يوماً ، فاحتسى فنجان قهوةٍ على الكورنيش.. من اختمرت في أُذنيْه أصوات الزحمة والزمامير يعرف جيداً خلال تجواله في شوارع العاصمة أن شيئاً ما اختلف خلال السنوات القليلة الماضية. بالاضافة الى كون بيروت عاصمة ثقافية وفنية بامتياز، لم تعد معارض الكتاب، أو الحفلات المستقدمة من الخارج، أو الماراثون الفصلي .. لم تعد تلك الاحداث كافية لتصنيف بيروت كعاصمة شرق أوسطية بألف خير.

يبدأ المشوار صباح يوم الاثنين ومعه تبدأ رحلة الالف يوم، المدينة الحلم والحياة الشبه مثالية ليست بخير، ولكنها لوحةٌ اختار بعضنا رسمها تبعاً لأهوائه. مسافةٌ نقطعها يومياً، تختلف الوجهات بين مكان عملٍ وآخر الا ان الراسخ الوحيد هو معجزة تخطي زحمة السير في المدينة.

تمتد الطريق الساحلية ، خطٌ طويلٌ مرصوصٌ وشجر نخيل هنا وهناك. صيف بيروت حار وجاف خارج السيارة البيضاء المكيّفة. الموسيقى تصدح، تُسابق سيارةٌ أُخرى، تلتزم الاولى بالاشارة الحمراء فتسارع الثانية لمباغتتها.

المنتجعات السياحية باتت جزءً لا يتجزأ من الكورنيش الساحلي، نخشى أن نستيقظ يوماً لنرى سوراً يحيط ببحر بيروت الشبه "مجانيّ" . تُحتكر الممتلكات العامة في لبنان باسم السياحة، ما يدفع اللبناني للبحث عن فسحات جديدة للتنفس والترفيه بعيداً عن  همومه اليومية.

تلك الطريق التي تقطعها السيارة البيضاء يومياً من المنزل الى المكتب شبه مثالية، من يراقبها يظن أن بيروت بألف خير.. ولكن على الطرف الاخر من الطريق بيروتٌ أُخرى لا تناسب وجه لبنان السياحي، وهنا المفارقة : بيروت ليست بخير ولكننا باختصار: تأقلمنا.

 

 

Sunday, 23 February 2014

Unhappy in Beirut.

Well doesn't the title really say it all?
I have been planning on writing this post for almost 45 days now, and then came New Year's with a basket of "Must achieve" resolutions. So I dropped the blog post, grabbed my favorite Moleskin Notebook and started writing down what I wish to do in 2014, stuff I wish to accomplish, places I want to visit, adventures I want to live, people I'm dying to meet. So far, the only resolution I settled for was cutting off soft drinks, I pretty much failed at everything else. But hey! It's almost the end of February, no rush there, kido?
In a trial to define happiness, I ended up googling for hours and stumbled upon two main advices:
Hit the gym ( no thank you)
Do something that you love.
And then it hit me; What is it that I am doing now? And do I exactly love about it? I couldn't help but wonder: Is Beirut the right place for me? Well, with savings up to 3000$ in my bank account, loans and university budget, Beirut is surely my ONLY option for now. But is it really about the place? Or more about what we intend to do while living in certain parts of the world?
So I live in a self destructive collapsed city which does nothing but bring me down sometimes, I must admit though, Beirut surprised me as much as it probably have surprised you in the past few years, but that was just not enough to make me happy.
And then it hit me again, why do I keep blaming Beirut? At the end of the day, it's a city, and like all other cities : it's not perfect. That was when I decided that it was up to me and only me to indulge changes and new habits in my life; now I am not talking about my 45 must achieve resolutions list, I am arguing realistic goals here, some decisions and few plans and that by the way is not an easy mission.
I still don't know what happiness is, I still don't understand how I ended up as a reporter when my goal was to become a writer in the first place (which is why I started this blog a couple of years ago), all I know is that nothing goes to waste, and sometimes we end up falling in love with the weirdest habits, jobs, people, hobbies, and that is for now one to judge but us.
The importance of acknowledging where to go next and what to do is in listening to one's self, as simple as that. An hour ago, I woke up (literally), yes I slept the weekend away and I am not proud. I walked into to the kitchen, made some tea and came back to my room to surprisingly find a tidy bed. It was a sign, no more sleeping, no more slacking, it's time to move forward.
Good evening; Beirut.


Tuesday, 15 October 2013

أكرهُ التكنولوجيا .. فعلاً

قد تكون التكنولوجيا فعلاً "سيف ذو حدّين"، وقد يصعب علينا الفصل بين حسناتها وسيّئاتها، وقد تكون هي المحرّك الأول والأخير لثورات القرن الواحد والعشرين، إلاّ أن شيئاً واحداً يبقى حقيقةً لا بدّ من التطرّق إليها: التكنولوجيا عزلتنا عن الحياة .. وبطريقتها الخاصة، ،أعادت تكوين شخصياتنا لما يتناسب مع "العالم الإفتراضيّ الجديد" ، لنجد أنفسنا في لحظةٍ معينة ضحيّة دوّامة لم نختار يوماً الوقوع بها. 
التكنولوجبا التي تسببت بهذه العوارض هي تلك المتمثلة بشبكات التواصل الإجتماعي ناهيك عن الهواتف الذكية وخدمات التواصل المجانية. 
يتوقف تطبيق "واتس آب" عن العمل لدقائق ، تُزعجني فكرة مواجهتي لمشكلة مع التكنولوجيا التي يُفترض بها أن تسهّل حياتنا لا أن تعقّدها، أمحي تطبيق (ال واتس آب) وأُراقب شبكات التواصل الإجتماعي وهي تغرق بسيلٍ من المزاح عن غضب الناس والعالم أجْمَع بسبب تعطل واتس آب، أبتسم متأكدة بأن داخل كلٍ منّا شخصٌ غاضب بسبب ما حدث، غاضب يُخفي غضبه ليبسِط سيطرته على التكنولوجيا التي نجحت في السيطرة علينا منذ اليوم الأول وهي الآن المبتسمة الوحيدة علينا نحن: المدمنون. 
 أكثر ما أكرهه في التكنولوجيا مثلاً هو ببساطة :غياب عنصر المفاجأة. قبل عصر الخليوي، كان الإتصال يتم عبر الخطوط الأرضية والتي كانت الحل الوحيد المتاح: إما أن تجد الشخص المقصود أو أن تترك رسالةً صوتية (الجزء المفضّل من طفولتي) ــ قد نكون غالباً غائبين عن المنزل ، لنعود ونجد تسجيلات صوتية لبعض المكالمات. قد يتساءل البعض عن مكان وجودنا (وهو الجزء المميز) ، كان الإختفاء خلال ساعات العمل والإنشغال وحتى المرح: جميل. لم يكن الشخص مشتتاً باتصالات أو رسائل أو تساؤلات فورية. كانت الفتاة تهرع الى المنزل لتتلقى اتصالاً أو رسالة صوتية مسجلة، تتسلل ليلاً الى غرفة المعيشة المظلمة للاتصال بالحبيب قبل بزوغ فجر يومٍ جديد.

مُتعة الحياة هي إطلاق العنان لمخيلتنا أحياناً والإستمتاع بذكريات شاهدناها في أفلام أو مسلسلات أو كانت حتى، جزءً من طفولتنا. مشاهد خالية من التكنولوجيا التي دخلت خلسةً الى تكوين شخصياتنا لتُصبح جزءً لا يتجزّأ منها. تلك الخصوصية التي تميزت بها حياتنا  قبل الألفية الثانية والتي لن تعود إلا إن أعدنا إحياءها وهو أمرٌ مستحيل كون التكنولوجيا والتواصل عنصران بأهمية الهواء والماء اليوم.

قد أكون ألغيت تطبيق "واتس آب" الليلة، وعلى الأرجح أنني سأرضح وأعيدهُ ثانيةً غداً، ولكنني ببساطة: أكرهُ التكنولوجيا فعلاً.

Friday, 30 August 2013

إبتسامة لبيروت الحزينة


ننصت، نبتسم، نساعد، نهدأ، نُراقب، ونتفاءل..
لم تعد الخطابات المُنمّقة وابتسامة الزعيم المطمئِنة، كافية. لم تعد دورية قوى الأمن الداخلي ملاذنا الآمن. لم تعد بيروت بيروت، ولم يعد لبنان لبنان. فما الذي اختلف هذه المرة؟ ولماذا وجدنا أنفسنا في دوّامة اليأس التي لم ينجح حتى انخفاض رطوبة الجوّ خلال اليومين الماضيين في كسرها؟

لست اللبنانية الوحيدة التي قررت، منذ انفجار الرويس، الحد من نشاطاتها الخارجية. عشرات الأصدقاء من مناطق لبنانية عدة، تُساورهم المخاوف نفسها. لكننا، في ظروفٍ مماثلة، مهما حاولنا الإختباء في قوقعتنا والتي ننجح في الغرق فيها عادةً، نجد أنفسنا عاجلاً ام آجلاً في الجامعة، في قهوةٍ في شارع الحمراء، في دائرة رسمية، في المصرف، في الوظيفة، في السوق .. وتطول اللائحة.

خائفون، يائسون، وبائسون.

أمضيت اليومين الماضيين غارقةً في عالم الأفلام والمسلسلات والكتب البعيدة كل البعد عن الحياة اللبنانية اليومية:
خريفٌ وروتينٌ مختلف وحكاياتٌ لا مثيل لها في لبنان أبداً. هنا، في هذا العالم، وجدت ملاذي للهرب من كل الضجيج المحيط.
لحُسن الحظ، لم يكن هذا هو الحل الأنسب، فكلما هممتُ بالإبتعاد عن صفحات "فايسبوك"، وجدتُ نفسي غارقةً في شاشة الحاسوب، أُحدّق في صور الإنفجارات، الضحايا، السيارات، لبنان. أبكي ولا أتمالك نفسي.
                                                    
أفكر بطريق للهرب من جُنيّ اليأس الأسود. أبحث عن مصادر للأمل في بلد لا تقدم لنا الدولة فيه الكثير، ومع هذا ننجح بالصمود فيه. بلد لا تقدم دولته ما يكفي من الكهرباء أو الماء أو التأمينات الصحية أو القوانين أو فرص العمل أو فرص الترفيه، ومع ذلك ننهض بعد كل إنفجار لنرمم ما تخرب في بيوتنا وفي نفوسنا.

أقول لنفسي أن لكل منا له دوره.
سأُنصت: سأُنصت وأستمع اليوم وأكثر من أي وقت مضى الى الآخرين، الى الجميع.
اختلاف وجهات النظر مُفتاح حلول لا حدود لها، ومن قال أن الآراء المتجانسة تصنع أفضل الأوطان؟

سأبتسم: سأبتسم رغم كل المصاعب، فرؤية الجهد اللبناني في إعادة إعمار ما نجحت تلك الإنفجارات في تدميره كفيلٌ ليكون حافزاً للإبتسام. يمتعني أن أشتري علبة سكاكر من بائعٍ متجوّل مبتسم، حتى ولو كانت من النوع الذي لا أهوى تذوقه.

سأبتسم قليلاً في شوارع بيروت الغاضبة والحزينة. سأمشي وأراقب سيارات الأجرة التي تقتحم الأرصفة، السيدات المتأنقات، الشبان فوق دراجاتهم النارية. سأمشي حتى يأتي الليل حين تهدأ بيروت وتنام بصمت، على غير عادة.

ثلاثون عاماً من الواقع المضحك المبكي، يعيشها لبنان. يوميات مليئة بالطاقة السلبية، التي لم تستطع جرعات التفاؤل المؤقتة تحسينها. لسنا في حاجة إلى الشِّعر الوطني أو الوعود الزجلية. اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، نحن في حاجة إلى المضي قُدماً، إلى ترك الماضي خلفنا، إلى كثير من الوعي. نحن في حاجة إلي المُضيّ قُدماً، إلى ترك الماضي خلفنا، إلى كثير من الوعي. نحن في حاجةٍ إلى أن نبدأ اليوم وليس غداً.

Wednesday, 26 June 2013

سرفيس

صباح الخير بيروت، نقولها، نحتسي القهوة ...نُدردش قليلاً عما ينتظرُنا اليوم.
لا مُغامرة في القيادة بالنسبة لي، هو استنتاج جديد توصّلتُ إليه بسبب الضجر من روتين القيادة في بيروت ومشكلة "الصّفة". صباح اليوم قررت التخلي عن السيارة واستقلال "السرفيس" أو سيارة الأُجرة الى وُجهتي، المُغامرة الوحيدة التي قد يواجُهها السائق/ة هي عدم توافر أمكنة كافية لركن السيارة، وأنا بغنى عن هذا الروتين اليوم.
تبدأ الرحلة بالسرفيس منذ اللحظة التي نُغلق فيها الباب خلفنا، وأنا بطبعي أُحب الإصغاء أكثر من المُشاركة في الحديث، من حُسن حظي كان الهدوء يعمّ السيارة. 
توقفت السيارة فجأة وبادر الشوفير بالقول: « أهلين سعد، طلاع يلا»
جلس سعد ( رجُل في العقد الخامس من العمر) قرب الشوفير، تبادلا أطراف السلامات سريعاً بينما أنا أستوقفهم لأُعلن وصولي إلى وُجهتي.
أتتمتُ ما أتيت لأجله من أوراق، إشتريتُ كعكتي المُفضلة ب سِمّاق ، مشيْتُ قليلاً قبل أن أختار سرفيس آخر للعودة إلى المنزل.
أجلس في المقعد الخلفي بينما يعلو صوت شوفير سرفيس آخر يقول " خدها عالمقاصد إذا عطريقك»!
تجلس الحجة قرب الشوفير ونمرّ بجانب مدرسة غرقت بالتلامذة فيُبادر الشوفير الستينيّ إلى سؤالهم" «شو عمّو ؟ كانوا سهلين الإمتحانات؟؟» وتُردد الحجة قُربه :« الله يوفقكن وينجّحكن»
أَبْتسم، ونُتابع الطريق حيث سبّبَ تلامذة مدرسة أُخرى زحمة وتركو أرصفة غارقة بالصابون والصراخ مودّعين سنةً دراسية ومُرحبين بالعطلة الصيفية، تبتسم الحجة : « إي، الله يسعدُن»
فيُجيبُها الشوفير :«بياخد التلميذ ٢٠٠ شهادة، وبلا واسطة ما في شُغُلْ»
أَبْتسم، أُعطي الشوفير ٢٠٠٠ ليرة، أشكرُه وأُتابع طريقي سيراً الى المنزل، كالعادة يستوقفني بائع اليانصيب ، بالنسبة لهُ «بكرا السحب» كلّ يوم وأنا بالتأكيد رابحة.
هذه هي بيروتي، حيْث يتبادل سائقو السرفيسات الزبائن بمحبة، مدينةٌ لا يخشى فيها التلميذ إجابة سائق السرفيس بالقول: «إي عمو، مناح الإمتحانات كانوا»...
استطعت الخروج من قوقعتي ومشاركة قسم من بيروت فرحته الآنيّة، فرحة نهاية السنة الدراسية واليوم المُشمس الدافىء وفرحة الشوفير بالراكبة الإضافية، فرحتي بالكعكة والنزهة القصيرة إلى المنزل، فرحتي ببيروت هادئة، حيث يصدح زمور السرفيس ويختفي صوت رصاص الليل.